القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية: من الفكرة إلى الأثر
في قلب التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية، وفي خضم السعي نحو حقبةٍ باهرة، تبقى بذور الخير هي الخبيئة الكامنة التي تبعث النجاح والتوفيق في أراضي المملكة المباركة، وفي ضوء ذلك يبرز القطاع غير الربحي فيها الذي تجاوز كونه رديفاً وبات ركيزةً أساسية في رؤية المملكة لعام 2030، لتتألق آلاف المنظمات والجمعيات الخيرية غير الربحية المسجلة لدى الحكومة السعودية، لكن ما آلية عمل هذه الجمعيات والمنظمات وما هي مخططاتها المستقبلية؟ هذا ما سنتعرف عليه في السطور التالية..
تأثير القطاع غير الربحي على الاقتصاد السعودي
تشير أحدث الإحصائيات إلى أن القطاع غير الربحي يسهم بنحو 1.5% من الناتج المحلي في المملكة، وبحسب التوقعات المحلية والتطورات الراهنة على نطاق الجمعيات والمنظمات الخيرية فقد ترتفع هذه النسبة إلى 5% مع حلول عام 2030.
ولا تقتصر هذه الإحصائيات على كونها بياناتٍ رقمية، إنما تعكس مسيرة عملٍ ونجاح وتميزٍ سعت إليها المملكة لتعزيز ثقافة العطاء لدى أبنائها وبناء اقتصادٍ متينٍ يعزز التشاركية المجتمعية.
رحلة القطاع غير الربحي في المملكة
تحول القطاع غير الربحي في المملكة من شكله التقليدي إلى المبادرات التنموية الشاملة، ومنذ العمل برؤية 2030 تمت إعادة تشكيل مفهوم العمل الخيري لتتخذ طابعاً أكثر ثباتاً وتأثيراً لدى المجتمع السعودي.
وقد تزايد عدد الجمعيات الخيرية السعودية خلال السنوات الأخيرة بنسبة 20%، الأمر الذي يشير إلى تزايد الوعي والسعي في هذا القطاع، وقد تم تمكين الشباب السعودي في قيادة البرامج الخيرية التدريبية والتأهيلية، مما أدى إلى اكتشاف مواهبٍ إبداعيةٍ وصقل جوهر الخير في قلوب الشبان والسيدات اللواتي تألقن في قيادة المنظمات غير الربحية وريادة الأعمال الخيرية لتجسيد صورة المرأة السعودية المؤثرة.
آلية عمل القطاع غير الربحي في السعودية
لا يقتصر القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية على كونه مجموعة من المنظمات التطوعية والجمعيات الخيرية، إنما يمتد ليكون بمثابة نظامٍ متكاملٍ، يعتمد آلية عملٍ ثابتة وديناميكية سعياً لتحقيق الأهداف الاجتماعية والتنموية التي تسعى لها، وتعتمد آلية عمل هذا القطاع على المراحل التالية:
- التأسيس والتسجيل الرسمي: الفكرة الأولى
تبدأ رحلة أي منظمة خيريةٍ بالفكرة الأولى التي تعتبر بمثابة بذرة الخير التي تزرع في أرضٍ خصبةٍ لتنمو وتثمر ملبيةً الحاجة المجتمعية لها، وتتنوع الفكرة الأولية للجمعيات الخيرية السعودية لتتضمن: تمكين الشباب، دعم التعليم، حماية البيئة، حقوق الطفل، حقوق المرأة، الاستدامة البيئية والتنمية المجتمعية وغيرها الكثير.
ومن الجدير بالذكر أن عدد الجمعيات والمنظمات غير الربحية المسجلة في المملكة تجاوز 3,000 منظمة والعدد في نمو قوي ومتسارع.
- التمويل: محرك عجلة المنظمات الخيرية
تم الحصول على ترخيص المنظمة الخيرية وتم تسجيلها في وزارتي الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية، حان الآن وقت التمويل الذي يحيي الجمعية ويحرك عجلتها، تختلف سبل التمويل المعتمدة في المملكة، لتتضمن:
- التبرعات الخيرية الفردية والمؤسساتية.
- الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الكبرى.
- التمويل الحكومي بواسطة برامج دعم مخصصة.
- منصات التبرع الرقمية عالية الشفافية كمصة عون ومنصة إحسان.
وقد تجاوزت قيمة التبرعات الرقمية في المملكة العربية السعودية في العام الماضي أكثر من 1 مليار ريال سعودي، مما يثبت فعالية وجدارة سبل التمويل المعتمدة وجدواها في تحقيق الأهداف المادية.
- التخطيط والتنفيذ الواقعي: غرس الخير
من الرؤية والتطلعات إلى الواقع والتطبيق، نأتي الآن إلى لبّ مرحلة التنفيذ ووضع أساسات العمل الخيري في المنظمة من خلال استهداف الشريحة المستفيدة ووضع الخطط الخيرية الاستراتيجية من خلال:
- تحديد الفئة المستهدفة للأعمال الخيرية: الطلاب، الأسر المتعففة، الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة، الأطفال الأيتام وغيرهم..
- تصميم خطط البرامج والمبادرات الخيرية: برامج التدريب، خطط الدعم، حملات التوعية، مشاريع التنمية.
- تنفيذ الخطط وتطبيقها على أرض الواقع: الحصول على مساحة عمل، تجهيز مبنى الجمعية وأقسامه، الإعلان عن المشروع غير الربحي، الوصول إلى الشرائح المستفيدة.
- مراقبة العمل الخيري: ورفع تقارير دورية إلى وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الموارد البشرية، وتقييم المنظمة من قبل جهات خارجية لقياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي للبرامج المقامة فيها.
- التأكيد على جزئية الشفافية المالية: من خلال نشر التقارير المالية بشكل دوري على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما وأن 85% من المنظمات غير الربحية السعودية تقوم بنشر تقارير الأداء على المنصات الرقمية لها.
- التوسع المحلي والعالمي: بعد إثبات المنظمة الخيرية نجاحها واستقطابها لفئة كبيرة من المستفيدين تتطلع إلى توسيع نطاق عملها والتعاون من المنظمات الدولية لعمل شراكات خيرية قوية.
- فتح باب التطوع: نشر الفكرة
يعد المتطوعون العمود الفقري لأي منظمة غير ربحية داخل المملكة وخارجها، حيث يتم فتح باب التطوع لأكبر عدد ممكن من المتطوعين مع تقديم حوافز لهم تدعم سيرهم الذاتية وتنمي روح المشاركة الاجتماعية لديهم، وقد تجاوز عدد الأفراد المتطوعون أكثر من 500,000 متطوع مسجل في وزارة التنمية الاجتماعية في المملكة.